أجرى اللقاء: الشاعر محمد شريم
رشاد أبو شاور لـ ( شرق وغرب ) :
أنا روائي وقاص .. ولست سياسياً !
دمشق تسكن في روحي بجوار القدس .. وعظامي ستعود إلى “ذكرين” !
أنا جزء من ملحمة كبيرة !
محمد شريم : أرحب بك الأديب العربي الكبير والصديق الذي نعتز به الأستاذ رشاد أبو شاور باسم موقع (شرق وغرب) الإخباري الإلكتروني ومقره لندن ، واسمح لي أن نجري هذه المقابلة لنشرها في ركن ( رموز ثقافية ) .
رشاد أبو شاور: شكرا لك صديقي وأخي الأستاذ محمد شريم..وشكرا لموقع ( شرق وغرب).
محمد شريم : في البداية أديبنا الكبير ، ومع الأخذ بعين الاعتبار أنك أشهر من أن تعرّف في الفضاء الثقافي والأدبي العربي ، هل لك أن تعرّف قراء (شرق وغرب) برشاد أبو شاور الأديب والسياسي المقاوم بطريقتك الخاصة ؟
رشاد أبو شاور: أنا روائي وقاص وكاتب صحفي عربي فلسطيني، ويمكن أن تضيف: ونقابي مؤسس في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين، وعضو مجلس وطني فلسطيني منذ العام 1983.. وأنا لست سياسيا، فأنا أنفر من هذا الوصف، ففلسطين ليست بحاجة لسياسيين ، ولكنها تنتظر باستمرار المقاومين الصلبين الشرفاء الشجعان.
محمد شريم : بمناسبة الحديث عن رشاد أبو شاور كأديب وكسياسي ، فإن الكثيرين ينظرون إليه كأديب أولاً ، ولكن كيف ينظر هو إلى نفسه ؟
رشاد أبو شاور: أنا كاتب أولاً وأخيرا، أما أنني مناضل ومقاوم فهذه صفة لملايين العرب الفلسطينيين، ولست امتاز عنهم في التزامهم تجاه وطننا فلسطين، وأعود للتأكيد: لست سياسيا، ولن أكون.
محمد شريم : أستاذ رشاد ، متى اكتشف رشاد أبو شاور ـ في بداية الطريق ـ أنه مرشح لأن يصل إلى ما وصل إليه الآن في فضاء الأدب الفلسطيني والعربي؟
رشاد أبو شاور: منذ قررت أن أكون كاتبا طمحت أن أقدم أعمالاً أدبية مؤثرة تكون جديرة بالتقدير فلسطينيا وعربيا.
محمد شريم: بمن تأثرت من الكتاب في تلك المرحلة ؟
رشاد أبو شاور: قرأت لكثيرين، واحترمت كثيرين، ولعلي من العرب أعجبت بنجيب محفوظ، وبغسان كنفاني، وبسميرة عزّام، وبجبرا إبراهيم جبرا، وبيوسف إدريس..ومن الأجانب: بدوستويفسكي، وتشيخوف، وجوركي، وآرنست همنغوي، ودينو بوتزاتي الإيطالي، و (أو هنري) الأمريكي وهو قاص مدهش.
محمد شريم: هل تذكر متى وصلت إلى القراء من خلال نتاجك الأدبي للمرة الأولى؟
رشاد أبو شاور: ربما عبر مجلة ( الآداب) التي نشرت على صفحاتها الكثير من قصصي القصيرة..وتأكد حضوري بروايتي ( البكاء على صدر الحبيب) التي نشرت في بيروت عام 1974 وكانت صرخة نقد ضد الفساد والانحراف والخراب، وفي وقت مبكّر…
محمد شريم : كم عدد الكتب التي صدرت لك حتى الآن ؟
رشاد أبو شاور: حوالي 23 كتابا بين الرواية والقصة القصيرة، والكتابات النثرية، وقصص الفتيان…
محمد شريم : حتى الوالد ، يمكن أحياناً أن يكون أحد أبنائه هو الأقرب إلى نفسه ، فهل بين كتبك ما تجد أنه هو الأقرب إلى نفسك ؟
رشاد أبو شاور: هناك عديد الأعمال الروائية والقصصية..تبقى هي القرب إلى نفسي.( العشّاق، الرب لم يسترح في اليوم السابع، وداعا يا ذكرين، الحب وليالي البوم…وآه يا بيروت) وأعمال قصصية ذروتها: الموت غناءً، وسفر العاشق…
محمد شريم : في المقابل ، وبعين الناقد ، هل تعتقد أنك لم توظف كامل قدراتك الإبداعية في كتاب ما أو في عمل ما من أعمالك الإبداعية؟
رشاد أبو شاور: صحيح، فكل أعمالي تتكامل، والقدرات الفنية تتوزع في (كل) هذه الأعمال: الروائية والقصصية…
محمد شريم : أنت عايشت النكبة صغيراً ، وناضلت لتجاوز آثارها كبيراً ، فكيف أثرت عليك تجربة النكبة ومغادرة قريتك “ذكرين” ؟
رشاد أبو شاور: أثرها يتجلّى في كل أعمالي منذ بدأت الكتابة حتى يومنا هذا وإلى أن أرحل وأنا اكتب آخر الكلمات. اقتلاعي مع أهلي من أرضي ليس حدثا فرديا خاصا، ولذا تراني أحمل معاناة شعب أنتمي إليه، ووطن هو ( كل) شيء بالنسبة لي: فلسطين.
محمد شريم : في المنفى أيضاً يمكن أن تكون للمنفي ذكريات جميلة ، وقد تنقل رشاد أبو شاور في المنافي العربية ، ومع إيماننا بفكرة الوطن الكبير ، ولكن أي هذه المنافي هو الأقرب إليك بذكرياته الجميلة ؟
رشاد أبو شاور: عشت في سورية قرابة ثلاثين عاما، ودمشق تسكن في روحي بجوار القدس، وهذا لا يعني أن حب تونس قليل الأثر، فتونس التي عشت فيها ثمانية أعوام، وانتقلت إليها بعد الخروج من بيروت عام 1982، ثم عدت لأستقر فيها في العام 1987 وحتى العام 1994 عزيزة على قلبي أرضا وشعبا .
محمد شريم: كروائي ، قلتَ مرة أن حياة كل فلسطيني فيها رواية ، وأحياناً ملحمة ، فهل ترى في حياة رشاد أبو شاور بكل ما فيها ( رواية ) أم ( ملحمة ) ، ولماذا؟
رشاد أبو شاور: أنا جزء من ملحمة كبيرة هي ملحمة الشعب الفلسطيني الذي اقتلع من أرضه، واستبيحت حياته، وتحالفت على الفتك به قوى عالمية ومحلية جبّارة..ومع ذلك ما زال يقاوم . إنها أعظم ملحمة مقاومة في تاريخ البشرية ، وفي كل العصور..وأنا اكتب جزءا منها، وهذا ما أتمنى أن يكون معبرا وباقيا في ذاكرة شعبنا العظيم، وفي أدبنا العربي.
محمد شريم: أنت من الذين عايشوا الحرب على لبنان والمقاومة الفلسطينية عام 1982 ، وكانت ( المعركة ) آنذاك ، هي الهاجس الفلسطيني في الداخل والخارج ، حتى نحن عقدنا ( المهرجان الوطني الثاني للأدب الفلسطيني في الأرض المحتلة) في مدينة القدس آنذاك تحت شعار ( الأدب في المعركة ) . حدثنا عن رشاد أبو شاور في تلك المعركة ، وقد ساهم في إصدار جريدة ( المعركة ) .
رشاد أبو شاور: تجد ما عايشته آنذاك في كتابي ( آه يا بيروت) الذي كتبته يوما بيوم، ثم صغته بعد الرحيل عن بيروت، وصدر حتى اليوم في سبع طبعات، وترجمت بعض فصوله الدكتورة سلمى الخضراء ضمن كتاب ( انطولوجيا الأدب الفلسطيني) الذي صدر في أمريكا عن منشورات جامعة كولومبيا التي كان يدرّس فيها البروفسور الفلسطيني الأصل إدوارد سعيد. وتجد تلك التجربة في روايتي ( الرب لم يسترح في اليوم السابع) ، وإذا ما اطلعت على (مُجلّد) أعداد جريدة ( المعركة) التي أصدرناها في بيروت أثناء المعركة فستجد كتاباتي على صفحاتها، أما دوري في الإذاعة الفلسطينية فيتذكره كثيرون، فقد كنت أقدم برنامجا باللهجة الشعبية الفلسطينية في إذاعة صوت الثورة الفلسطينية بعنوان ( كلامنا بلدي) يقدمه ابن كنعان..وابن كنعان هو أنا. ولا أريد أن أستفيض في الحديث عن دوري ، فقد كنت واحدا من كثيرين أدوا دورهم في تلك المعركة المجيدة التي استشهد أثناءها الشاعر علي فودة ببطولة .
محمد شريم : عندما وصل رشاد أبو شاور تونس على ظهر السفينة مع المقاتلين الخارجين من بيروت عام 1982 ، وهي الرحلة التي استغرقت ستة أيام ، حيث وصلتم صبيحة اليوم السابع ، بدأ الأديب رشاد أبو شاور التفكير في عمله الإبداعي الجديد ” الرب لم يسترح في اليوم السابع ” والمقصود بالرب هنا ، هو رب العدوان والحرب الصهيوني ، وذلك في إشارة منك إلى ما ورد في التراث اليهودي. السؤال هو : هل تشعر اليوم ، وأنت ترى ما نراه جميعاً من وهن في الموقف العربي ، ومن بوادر للتطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي ، وتصدع على الساحة الفلسطينية ، وكل ذلك جاء بعد الخروج من بيروت ، أن “الرب” بدأ بالفعل يستريح في اليوم السابع ؟
رشاد أبو شاور: لا، أبدا، ففلسطين ستبقى حيّة بيقظة وعطاء وإبداع الشعب العربي الفلسطيني، وتضحياته، وبانحياز ملايين العرب لفلسطين، خاصة وهم يرون أن العدو الصهيوني لا يريد السلام، وأنه عدو يريد التوسع في كل بلاد العرب، والهيمنة على مقدراتهم، وتحويلهم إلى غرباء في أوطانهم. سقوط أنظمة حكم وحكّام، على خطورته، ليس هو نهاية الصراع التاريخي. نحن نخوض صراعا طويلاً نهايته انتصار أمتنا العربية على كل أعدائها. المثقف الذي لا يؤمن بهذا قصير نظر وتقاعس عن أداء دوره.
محمد شريم : كلنا يرى أن الإجماع الرسمي العربي على أولوية القضية الفلسطينية لم يعد في أفضل أحواله ، ونحن هنا لا نتحدث عن الشعوب ، وسبقت ذلك ضربة موجعة على المستوى الدولي حينما انهار ” المعسكر الشرقي” بمبادئه الثورية والأممية التي كان يتبناها ، فهل تراجع الاهتمام بفلسطين ثقافياً كما تراجع سياسياً ؟
رشاد أبو شاور: قد يبدو هذا لمن ينظر بسرعة للمشهد. لم يكن هناك إجماع عربي رسمي يوما على تبنّي القضية الفلسطينية، وجعلها في مقدمة القضايا القومية، فنظم الحكم كلها إقليمية مشغولة بالحكم، وهي مستبدة بالشعوب، وهذا ما نراه أمامنا، وما نراه من تسابق حكّام التطبيع وتلطيهم بالكيان الصهيوني استرضاء وتلبية وصدوعا للأوامر الأمريكية المعادية لفلسطين، ولكل قضايانا العربية. تقاعس وتواطؤ الحكام العربي هو الذي مكّن الكيان الصهيوني من ( البقاء) حتى اللحظة، وهو الذي جرّ البلاء على عرب فلسطين وأضعفهم، وحاصرهم، وضيّق عليهم..ومع ذلك فشعبنا يقاوم ويصمد ويواصل رحلته الصعبة إلى ميناء حيفا…
محمد شريم: أديبنا الكبير رشاد أبو شاور ، أمد الله في عمرك ، ولكن هل تعتقد ككاتب وأديب أنك قد بلغت الرسالة؟
رشاد أبو شاور: لا، لم أنجز كل ما أردت، واحسب أنني سأرحل وفي نفسي الكثير..واأسفاه يا صديقي!
محمد شريم : ما هو العمل الإبداعي الذي فكّرت فيه ، ولم تخض غمار إنجازه بعد.
رشاد أبو شاور: هناك أكثر من عمل، وآمل أن يمتد بي العمر لأنجزها…
محمد شريم : السؤال الصعب؟ هل يأمل رشاد أبو شاور أن يعود إلى “إيتاكا” الخاصة به ، وأعني قريته “ذكرين” بشخصه ذات يوم ؟
رشاد أبو شاور: عظامي ستعود. فجدتي لأبي أوصته بحمل عظامها ودفنها في ذكرين، وأبي أوصاني نفس الوصية، وأنا أوصيت أبنائي.عظامنا ستعود، سيحملها أحفادنا ويدفنوها في رحم أرضنا، وهم سيعيشون سعداء في فلسطين العربية الحرّة. هذا سيتحقق طال الزمن أم قصر.
محمد شريم: أشكر لك أديبنا العربي العروبي الفلسطيني الكبير رشاد أبو شاور هذه الفرصة التي منحتها لقراء ( شرق وغرب ) لمعرفة المزيد عن شخصية الأديب رشاد أبو شاور ككاتب وأديب ومناضل سياسي .
رشاد أبو شاور: شكرا لك ، وآمل أن أكون قد أجبت على أسئلتك الجادة بما يليق بها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق