يكتبه: الشاعر محمد شريم
المنسق العام للمنبر
ليس من الضرورة أن يبالغ المرء في البحث والتمحيص ليعرف ما يجمع بلاد الشام من أواصر القربى وعوامل الوحدة ، فذلك ما تؤكده الجغرافيا والتاريخ والثقافة ، ولكن من الضرورة أن نتنبه إلى ما يمكن أن يكون لـ “سايكس بيكو” من أثر في تقسيم البلاد ثقافياً ، كما كان لها من الأثر في تقسيمها سياسياً ، ومن هنا فإننا كمثقفين يجب علينا باعتبارنا حماة الحلم ـ أعني حلم الوحدة ـ وسدنة الثقافة أن نحتفظ بمواقعنا على الجبل دفاعاً عن قلعة الثقافة التي أصبحت في هذه الأيام هي الثغر الأخير من ثغور الوحدة . وعندما نتحدث كأدباء، وبما أن ميدان الأدب هو الأرحب والأقرب ضمن مساحة الثقافة الإبداعية في بلادنا ، فإن علينا المسؤولية الكبرى في الدفاع عن تلك القلعة.
ومن هنا فقد خطر ببالي قبل أسابيع أن أحاول إشعال شمعة بدل أن ألعن الظلام ، ففكرت في إنشاء “مجموعة” أدبية على مواقع التواصل الاجتماعي ينضم إليها من يشاركني الألم والأمل والإيمان بالفكرة من أدباء بلاد الشام ، ومن يشاركنا الحلم بالوحدة من أبناء البلدان العربية الأخرى ، بهدف التواصل والتقارب وإنجاز الأعمال المشتركة خدمة لفكرة الوحدة الثقافية . وهي ليست بالفكرة المستحدثة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تلك الخطة الطموحة لتوحيد المناهج الدراسية بين سورية والأردن عام 1976 . وبالفعل فقد أنشأت “مجموعة” انضم إليها عدد لا بأس به من جميع أنحاء بلاد الشام ، وما لبثت الفكرة أن تطورت إلى البحث في إمكانية تجاوز الفضاء الإلكتروني ، لتكون إلى جانب “المجموعة” أسرة أو جماعة أدبية مستقلة ، ومنفصلة عنها ، تمارس أنشطتها الأدبية والثقافية على أرض الواقع، وفي إطار القانون المعمول به في كل بلد من بلدان بلاد الشام.
وكانت الخطوة الأولى، بأن اتصلت بصديقي الشاعر سامي مهنا رئيس اتحاد الكتاب والأدباء في الأراضي المحتلة عام 1948 مستفسراً منه عن إمكانية إجراء جلسة قراءات شعرية ونثرية في الجولان العربي السوري المحتل ، فرحب بالفكرة ، وبالفعل حددنا موعداً ، هو يوم الثلاثاء 23/7/2019 وتوجهت مع عدد من الأدباء أعضاء مجموعة “منبر أدباء بلاد الشام” الذين يسكنون بيت لحم والقدس ، ومعنا بعض أصدقاء “المنبر” إلى الجولان العربي السوري ، وقد رافقنا في هذه الزيارة الصديق الشاعر سامي مهنا ، وبعد أن قمنا بجولة قصيرة ، استقبلنا خلالها الشيخان رفيق إبراهيم (أبو وديع) وقاسم الصفدي (أبو محمد) من وجهاء مجدل شمس ، حاضرة الجولان المحتل ، توجهنا إلى مكان اللقاء الأدبي، حيث استقبلتنا الأخوات الأديبات جوهرة إبراهيم ومنى أبو جبل وأملي أبو جبل ، حيث كان اللقاء جميلاً ، فبعد أن قدم الفنان الشاب علام العفلق وصلة غنائية بمرافقة العود ، قام الأدباء والشعراء الحضور ـ من فلسطين وسورية ـ بالتعريف بأنفسهم ، وبقراءة إبداعاتهم الشعرية والنثرية.
وللحقيقة ، فإن الأخوات الأديبات من الجولان لم يكن على اطلاع بفكرة “منبر أدباء بلاد الشام ” ولكنني طرحت فكرة المنبر وتحدثت عنها ، وأعربت عن الأمل في أن تكون زيارتنا هذه للجولان هي الخطوة الأولى التي يخطوها “المنبر” بشكل عملي على أرض الواقع ، فحازت الفكرة على إعجاب الحضور ، وبعد أن توجهت إليه بالحديث ، فقد وعد الشاعر سامي مهنا بدعم هذه الفكرة بكل ما يستطيع.
إنني أدرك أن الفكرة جميلة سهلة ، ولكن الصعب هو تطبيقها على أرض الواقع في ظل الواقع الذي تعيشه بلاد الشام ، وأدرك أن أصعب ما فيها هو المحافظة على طابعها الأدبي الإبداعي المحض البعيد عن أية اصطفافات ، في بلاد فيها ما فيها من التناقضات ، ولكن قدر هذا “المنبر” أنه إذا أراد أن يعيش ، فإن عليه أن يحافظ على طابعه الأدبي الثقافي ، دون أن ينفصل ـ بالطبع ـ عن واقع الشعب والأمة أو أن يشيح بوجهه عن تطلعاتهما ، فالأديب لسان الأمة ، وهو المعبر عن آلامها وآمالها .
لقد كان لقاؤنا الأدبي في مجدل شمس خطوة رمزية جمعت أدباء من بلاد الشام فلسطينيين (من الضفة بما فيها القدس والجليل) وسوريين ، على أرض الجمهورية العربية السورية في الجولان المحتل ، ونأمل أن تكون هذه الخطوة هي مقدمة لخطوات أخرى في طريق الألف ميل ، والله وحده يعلم كم سنخطو من الخطوات ، بسبب الصعوبات التي تفرضها المرحلة ، ومع ذلك فإنني أستأنس بالتاريخ وأثق في المستقبل ، وهذا يعني أن أحداً ما سيخطو الخطوة الأخيرة ذات يوم!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق