ما زلنا ننشد (بلاد
العرب أوطاني)!
بقلم : محمد شريم
كم
كنا سعداء ويحدونا الأمل ويملأ قلوبنا الانتماء إلى وطن واحد مترامي الأطراف ، بين
المحيط والخليج ، ونحن ننشد على مقاعد الدراسة في أواسط السبعينيات من القرن
الماضي النشيد العروبي ( بلاد العرب أوطاني ) الذي نظمه الشاعر السوري فخري البارودي
ولحّنه الأخوان فليفل . حينذاك رسم الكثيرون من أبناء جيلي خريطة الوطن العربي ،
في أذهانهم بعين المستقبل ، بلا حدود مصطنعة ، أما أنا فقد رسمتها أيضاً بريشة
الواقع على ورقتين متقابلتين أخذتهما من كراسة الرسم المدرسية ، فخططت ـ بخط باهت بعض الشيء ـ الحدود
الداخلية التي تشي استقامتها الهندسية في كثير من المواضع بكونها مصطنعة من قبل
المستعمرين الذين تركوا وراءهم من ستُلزمهم
مصالحهم الشخصية والعائلية بالمحافظة عليها ، وألصقتُ تلك الخريطة على الجدار ـ
خلفي ـ في الموضع الذي كنت أراجع فيه
دروسي وأخطو فيه خطواتي الأولى في ميدان الكتابة .
حينذاك
لم يكن هذا الشعور مستغرباً ، لأنه لم يكن بالشيء العجيب أن ندرس على مقاعد
الدراسة ونحفظ النشيد السوري ( حماة الديار ) الذي لحنه أيضاً الأخوان فليفل من
لبنان ، والنشيد الجزائري ( قسماً ) الذي لحنه المصري محمد فوزي ، وذلك في مقرر
اللغة العربية ضمن المنهاج الأردني ، وعلى أرض فلسطينية ، ففي تلك المرحلة كان
المدّ القومي والمشاعر العروبية يحتفظان بعزهما الذي كان في أواسط القرن العشرين
وبلغ أوجه بأن تجسد في الوحدة بين مصر وسوريا في العام 1958 .
أما
اليوم ، فالصورة تختلف بعض الشيء ، ولذلك نجد أحوالنا في مختلف المجالات تمشي
القهقرى ، فقد صار من الممكن أن تجد في بلد الأخوين فليفل لبنان ـ على سبيل المثال
ـ عام 2009 كتلة نيابية باسم ( لبنان أولاً ) ، وهو الأمر الذي ترفّع عنه في حينه
الشاعر البحتري ، في العصر العباسي ، حينما قال متفاخراً ومقدماً مشاعره العروبية
على أي انتماء قبلي أو سياسي :
نحن أبناء يعربٍ أعربُ الناس لساناً وأنضرُ الناس عوداً
فقد
بدأ المدّ القومي بالانحسار في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين ، أي بعد
انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، وما تبع ذلك من صعود للتيارات الإسلامية في
الوطن العربي لأسباب عديدة ، ولا يعني ذلك أن صعود التيار الديني يدفع بالضرورة
إلى هبوط التيار العروبي القومي ، لا ، بل إنهما من الممكن أن يتعايشا معاً ، ومن الممكن أيضاً أن يشكلا
تياراً إسلامياً عروبياً ، أو عروبياً بتوجهات إسلامية ، كتلك التي توحي بها أفكار
الشيخ عبد الرحمن الكواكبي والمفكر محمد عزت دروزة ، بحيث يؤخذ بالاعتبار أن الإسلام هو دين الغالبية من
أبناء المجتمع العربي ، وفي نفس الوقت تحفظ لجميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم
الدينية والطائفية والعرقية مواطنة متساوية أمام القانون ، ويكون الهدف الأشمل هو إقامة
وحدة عربية تكون نواة صلبة لاتحاد إسلامي .
ومن هذا المنطلق ، فإن من الخطأ ـ كما أرى
ـ الاعتقاد أن صعود التيار الإسلامي كفكر كان نتيجة فشل التيار العروبي كفكر ، بل
إن هذا الصعود كان له أسبابه الموضوعية ، ومنها فشل معظم القيادات التي رفعت الشعارات
القومية والعروبية من تحقيق أهداف الجماهير العربية في مختلف المجالات ، وربما كان
من هذه الأسباب فشل تلك القيادات في إيجاد أرضية التعايش أو حيّز التعاون أو
التكامل بين هذين التيارين .
أما
اليوم ، ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي العشرين ، فإن الشعور بأهمية إنجاز
الوحدة العربية والتوجه نحو تحقيقها بدأ
بالتجدد ، وعلى نطاق واسع ، فالعرب هم الأمة الوحيدة على وجه الأرض التي تتقاسم
أبناءها أكثر من عشرين دولة ( أو دويلة ) ، في الوقت الذي نرى فيه أمماً وشعوباً
مختلفة تجتمع لتكوّن دولة واحدة ، فيا للعجب ! ، ولكن هذا التوجه العربي العروبيّ
المتجدد هو بمبادرة جماهيرية هذه المرة ، بخلاف الدعوات السابقة التي كانت من خلال
نخب حزبية أو رموز انقلابية ، لم تستطع ـ أو لم يخطر ببالها ـ انجاز تصميم لعلم
عربي قومي موحّد تنظر إليه العيون وتتحلق حوله الأفئدة ، يُرفع إلى جانب أعلام
التفرقة القطريّة ، باستثناء علم ( الثورة العربية الكبرى ) الذي رُفع في حينه ، والذي مازال مستخدماً من قبل بعض العروبيين .
ومن مؤشرات هذا التوجه الجماهيري نحو الوحدة
ما نطالعه على مواقع التفاعل المجتمعي ( التواصل الاجتماعي ) من صفحات تسير بهذا
الاتجاه ، ومنها تجربة لم تكن بالناجحة لأسباب شتى شاركت فيها بشكل
شخصي مع بعض المفكرين والناشطين الاجتماعيين الفلسطينيين والعرب ضمن فكرة ( اتحاد
الوطن العربي ) والتي لمتخرج عن نطاق وسائل التواصل الاجتماعي باستثناء بعض الاجتماعات عبر سكايب لتطوير الفكرة التي لم تتطور . وما دمنا تحدثنا عن التوجه العروبي مبتدئين بنشيد فخري
البارودي ، يكفي أن نذكر أن الجماهير في بلدان الربيع العربي ، الذي جعلناه خريفاً
، كان نشيدها الذي لا يفارق الساحات هو نظم البارودي هذا ، وهو يرسم بالكلمات حلم
المستقبل العربي بقوله : ( بلاد العرب أوطاني ) !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق