بين حب و حب!
بقلم: ماجدولين الجرماني.
* منبر أدباء بلاد الشام ـ سورية.
أعجبتها
الصورة على بروفايله الفيسبوكي وأخذت تحلم به ليل نهار كانت تريد حبيبا تقطع وقتها
الملول بمحاكاته من خلف شاشة , احتارت هل تبعث له بطلب صداقة؟ ولم لا ستضيفه مبدئيا
كأي صديق على صفحتها العارمة بشتى الأنواع والألوان والمعتقدات, لكن هذا الرجل فيه
شيئا يشدها , يجعل النوم يجافي عيونها الناعسات, أخيرا كبست ذلك الزر اللعين وبعثت
له إضافة, وانتظرت بكل شوق أن يقبل إضافتها, فهي أيضا جميلة حسب الصور المتواجدة
على صفحتها الخاصة, فهذا العالم الأزرق النوايا لأ أحد فيه يتطلع للمضمون
الإنساني, بل تجتاحه الخصور الرهيفة , والشعور المدلاة, ولا ننسَ الإضاءة على
العيون الواسعة وحركات الدلع والدلال
المتكلفة, ثم أخيرا يأتين ببرنامج خاص لإخفاء العيوب, ههههه لو كان هذا البرنامج
سابقا لما ترهلت السيدات , ولا تضخمت أحجامهن بسبب الولادة والأولاد والعمل طوال
النهار في المطابخ لانتاج شتى أنواع الطعام الدسم,
المهم
كان يضيء ضوءه الأخضر لكنه لم يعير إضافتها انتباها ! فهو ربما مشغول بملف يراجعه
على (غوغل) , أو ربما امرأة أخرى يحادثها بشغف , أغلقت شبكة الانترنت ولاذت بصمت
يطبق على صدرها ترى لماذا لم يلتفت لها؟ ومن يظن نفسه فكرت ريما قليلا ثم شعرت
بالنعاس الشديد وأدركت بأن غدا ورائها عمل ووظيفة , واستيقاظ مبكر وستضطر لشرب
قهوتها على استعجال من أمرها لذا ستأخذها معها في سيارتها , لن تستطيع الإفطار ,
ستأخذ (كرواسانة) من الفرن الساخن أمام دائرة عملها
ريما فتاة من هذا العصر تملك جسدا رقيقا , خصر
دقيق, شفاه لا أعلم كأنها أخذت بها مزيداً من الحقن لتبدوا أغلض ..موضة العصر طبعا
,عينان واسعتان ناعستان برموش مطوية تشبه عيون الهررة, أظافرها مقلمة ومرسومة
دائما كأنها لوحة ما, كثيرا ما تكون الأنامل دلالة على الشخصية التي تملكها,
فأصابع الرسام لاتشبه أصابع الموسيقي أما أصابع الكاتب فهي مبرية لترسم الحروف,
أما الفلاح وأصابعه الغليظة و الخشنة التي تلتف بالتراب الطاهر الذي يبدأ به الخلق
وينتهي
الأهم..
تلبس ريما الكعب العالي دائما كي تتغلب على قصر قامتها, بحيث تصاب في نهاية النهار
بتعب ووخز بالقدمين .
وألم
في الظهر يقلق نومها أغلب الليالي, الآن مايقلقها هذا الفيسبوكي الجميل,
يضيء
الأخضر وتظهر صورته على جوالها, تحملق بالشاشة وتضحك ملئ فمها .. ييسسس وقع في
المصيدة
بعث
لها رسالة على محادثات (الفيس ) نورتيني يا جميلة وثم أردفها بقصيدة لا أعرف من أي
موقع الكتروني لملم أحرفها المشاكسة
للمعاني
لم
تجيبه ريما , بل تركته يومان على الانتظار قالت لنفسها: هكذا أجعله يتحرق شوقا
للرد
في
الصباح وجدت وردة وفنجان قهوة من الجميل الفيسبوكي, ابتسمت وذهبت لعملها وكالمعتاد
أمضت النهارات وهي مشغولة , ففي هذه الشركة ممنوع الانترنت سوى لسكرتيرة المدير
الحميمة! ليتها سبقتها لذلك قالت في نفسها
, هه قريبا أعود للمنزل واليوم سأجهز نفسي للرد على هذا الجميل الذي اخترته,
عادت
لمنزلها الصغير البارد من الحب والعاطفة, رحم الله أيام زمان عندما لم نكن نجد
الوقت لنختلي بأنفسنا بين دفء عائلاتنا و
الهرج والمرج والصراخ والضحك, أما الآن بعد هذه الحرب اللعينة فقد بتنا نحيا مع
شاشات زرقاء مليئة بحضارة خالية من الانسانية , فأخوة ريما قد هاجروا إلى أوروبا
وثم لحقتهم أمها بلم شمل, أباها توفي في قذيفة عابرة للقلوب والبيوت والحارات ,
وهكذا بقيت عالقة هنا تعمل مثل آلة دون لمة أهل ... فنحن السوريين شعب يحب الأهل والضجة والضحك و
اجتماعات الطعام بين العائلات مهما كثر أعدادها,
نزلت
دمعتها لتلك الصور في ذاكرتها لكنها أرادت شيئا ما يغير هذه الرتابة,
نظمت
شهرها المتدلي و أفردته على ظهرها, كانت بكامل أناقتها, وحتى وضعت عطرا يملئ
مسامها, ربما ظنت بأنه سيشتم عطرها من نافذة هذه الشاشة, ثم جلست و جوالها بيدها ,
-
شكرا للورود الجميلة
-
من وين انتي ياحب
اتسعت رقعة ابتسامتها
-
من سوريا , وأنت
-
سوري أكيد وأفتخر
-
ما أجملك , وأين تسكن وماهو عملك
-
أنا ضابط في الجيش العربي السوري وخريج حقوق يعني
محامي مع وقف التنفيذ وحاليا أسكن على الخطوط الأمامية للجيش وفي الاستراحات أتنقل
على الانترنت
-
وهذه صورتك على البروفايل
-
نعم .. هل أعجبتك؟
أرسلت وجها يبتسم وقلب كبير
يعني حبيتها ههههه لغة فيسبوكية
-
ماهو عملك وهل أنت متزوجة؟
-
لا أنا أحيا وحيدة بعد هجرة أهلي من البلد ولم
أستطيع اللحاق بهم وأعمل في شركة للهندسة والديكور
-
وكيف تستطيعي العيش وحيدة؟
-
هذه الحرب فرضت علينا الكثير من القسوة , وكان لا
بد لنا أن نضحي بالكثير من انسانيتنا
-
وكيف فهميني؟
-
عندا سافروا اخوتي الثلاثة كان أحدهم صغير بحيث
يستطيع القيام بلم شمل لوالدتي و لأنه ما زال يحتاج عنايتها, فهو مازال في الثانية
عشرة من عمره, وكانت هذه أول تضحية بأن شجعت والدتي للذهاب على الرغم من ألمي
بمفارقتها, وقلت لها أني كبيرة و أستطيع العناية بنفسي ثم أنا لدي عملي, وعلى أمل
أن ألتحق بهم قريبا... صدرت كل القوانين الجائرة بمنع ضمي لعائلتي لأن عمري لا
يتناسب مع لم الشمل, يعني كل العيل السورية هيك ناس راحت وناس ظلت ومازال مصيرنا
معلقا بين الداخل والخارج
-
ألم تفكري بالزواج؟
-
طبعا فكرت وحتى عندي منزل, لكن بصراحة لم يعد
يوجد رجال في هذه الحرب الهوجاء , فإما شهيد أو قتيل أو مهاجر أو معطوب يعني عاطل
عن العمل ههههههههه
أرسل لها وجوه تضحك وتبكي بآن واحد, ربما هو أيضا يمتلك الكثير من
الوجع .
-
ما رأيك أن نتكلم غدا فقد تأخر الوقت وعلي النوم؟
كتبت له ت . ع . خ ووجها
باسما وكأنها شعرت بشيء من الطمأنينة...فأجابها برسم قبلات كثيرة و يد تلوح من خلف
شاشة وكأنه يقول الى لقاء قريب .
وهكذا أمضوا الكثير من ليالي الأحاديث الطويلة والشيقة والذكريات ,
بعد أسبوع من تعارفهما كتب لها أحبك وأريدك زوجة لي , أريدك أن تذهبي لزيارة أمي
وأن تقولي لها أنني خطيبة ابنك التي اختارها وعليها تحضير كل ما يلزم لنصنع فرحا
ولو بسيطا فنحن يحق لنا الفرح مثل بقية أبناء البلدان من حولنا,
-
ريما
-
أنا هنا معك , ذهبت لوالدتك و أخبرتها , لو رأيت
الفرحة في عينيها, وكيف أمطرتني بسيل من القبل والمعانقة
-
أجل أعلم فهي تنتظر هذا اليوم منذ ولادتي , و أمك
؟
-
طارت من الفرحة وقالت بأنها شعرت الآن بالطمأنينة
علي
كان نشيجهما معا على الجوال وكأن شوق العالم اجتمع في تلك اللحظة
للقائهما معا ,
أخيرا قال لها: الجمعة المقبلة ستكون اجازتي وأخيرا يا حبيبتي سنكون
معا , كأننا واحد, سأقبلك حقا و أضمك بين يدي وستكونين أم أولادي
ضحكت ريما وأرادت النوم بعمق إلى أن يأتي ذلك اليوم الموعود وبدأت بعد
الثواني ليجتمعا معا هي وحبيبها الضابط,
في أحد أحياء دمشق الحزينة ... جهزت الأم لحفلة بسيطة يجتمع فيها
الأقارب و بعض الجيران و ريما العروس التي أمضت نهارها بين الحلم والجوال لتعطي
خطواتها ثانية بثانية لحبيبها ....
ضج المكان بأصوات الرصاص والسيارات , أطلت الجموع
كان
رتلا من جنود مساكين يشبهون حبيب ريما يصطفون لينزلوا من سيارة عسكرية تابوتا
ملفوفا بعلم سوري..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق