العطارون
من نيسابور
شعر: نداء يونس
*"منبر أدباء بلاد الشام" ـ فلسطين
-1-
أيُّ سؤالٍ عنكَ،
اشتباكُ علَنيٌّ
مع كلِ شيء.
-2-
كيف يمكن أن ترُدَّ على الجُوعِ الذي فيَّ،
أو كيف تَرُدُه؟
أيُّ معنىً يؤالفُ بين عتمَتي ونًورَك،
أيُّ رجفةٍ لا تَهرمُ في غيابِك،
وكلمَّا تجئُ الأغاني
لا تعرِفُ البابَ،
وأنا على عادَتي أشْبَحُ قلبي في سُقوفِ اللَّيل.
ليديَكَ;
... ليسَ يمكنكَ أن تَترُكَ سكِّينًا خارجَ اللَّحمِ،
ولا أطباقًا ملأَى على مائدةِ العَراء.
-3-
لا أعرفُ من العَناوينِ سوى جسدي،
أي حدٌ للا حَدِ،
يكونُ الجسد؟
يُعجِبني ليلٌ لا رغبةَ لنا فيه بالتَّخفِي،
أن تكون أنت الليلَ،
او أنك الليلُ بالخطأ.
التهابٌ مزمنٌ في الشَّوقِ،
خطأٌ في التوقعاتِ،
وتلتَقِطُكَ المتَاهاتُ،
والعطارون من نيسابور
لا يستخدمون السَندروس ولا يَجرؤُون
على طَردِ هذا السِّحر.
العطارون من نيسابور
افترضوا جَدلاً
أن عَجْنَ الحشيشِ الأفغاني بنَثَارِ أجنحةِ الفراشِ
والتركيباتِ الغريبةِ في لفائفِ السَّحرةِ في آور
تصنعُ خَلطةِ للحبِ،
الذي يكتفِي عادةً برميِ صِنارتِه
في الرَّمل.
العطارون الذين يعرِفون نشِيدَ المُشعوذِينَ وأحْجِبتِهِم،
الذين اشتَروا من الدَّجالين بضَاعتَهم،
الذين بَرعُوا بالخِيمياءِ،
وعلاجِ الصُداعاتِ والأمراضِ الجلديةِ،
وحتى تَنظِيمِ تَدَفقِ الدَّمِ،
لم يستَطيعوا أن يعالِجوا
الصَّوتَ المبحُوحَ،
ولا التَّقَرحُاتِ التي تَخلِفُها نارُ الحُّب البَاردةِ.
-4-
هل أعثُر على الطَّريقِ وحدي؟
ينْبغِي أن تَتَظافَر مَلَكَتانِ:
الرَّغبةُ،
وهذه أصيبتْ بطلْقةٍ في الرأسِ،
وما زالت تدَّعِي أن لديها ثلاثةَ أعينٍ،
والانتظارُ،
وهذا ليسَ أكثر من معنىً مرادفٍ للنسيَان.
-5-
ليس للنَّوارسِ أجنِحةٌ;
تلك استيهاماتٌ،
ليس لها أقدامٌ;
يكاد أن يُقْسِمَ المَاء،
وليس لها رِيشٌ;
تقولُ السَّيدةُ الرَّغبة.
تكتبُ على جسَدي آيةً;
جِلدي الذي أعلِّقهُ خلفَ البَّابِ
يصبحُ متحفًا للأَحافيرِ،
والغيبُ كتاب.
الطُّرقُ،
- حتى التي بلا شواهدَ،
حتى التي أرهقتْها جِدِيَةُ الاتجاهاتِ،
حتى التي لم أعرِفْها،
تقودُني إليكَ،
وهذا ما لم يستَطعِ القراصنةُ
ولا صيادو الكنوزِ أن يعرفُوا
مثلَه.
-6-
اجهلُ،
واجهلُ أيضًا أي معنىً يمتلِكُهُ حزنٌ
يُعرِّفُ العالمَ كوجودٍ مشوهٍ،
بعينينِ معصوبَتينِ يمتلكُ القدرةَ على أن يأْخذكَ إلى وادٍ
سيزيفي.
ما يُرى كثيراً لا يُلاحظ،
الغيابُ أقصى أشكالِ الحضورِ،
هكذا يمكنُني أن أقولَ: أنني لا أرى أحداً سواكَ.
الموتُ أكثرُ أشكالِ الوجودِ اشتغَالاً بالإدمانِ
على العدمِ،
هكذا يمكنني أن اقولَ: أنني لا أرى أحداً سِواي.
-7-
لا شيءَ ينقذُ فكرةً في العشقِ
من حنينك.
أَعصرُ في رؤاكَ الغيمَ في كأسٍ،
وأُهدي الوقت للأُمنيات.
جمرٌ في يدِ الرِّيحِ، والريحُ كلامكَ،
والزمنُ لا عملَ له
إلا أن ينحتَ صورةً للفراغِ،
لكنكَ الجَذْرُ،
فأيَّة ذاكرةٍ للثمار.
-8-
يُضِيعُكَ الذي يُضئُ فيكَ;
اللحنُ الجاهليُ،
والمدى المنقوعُ في انتظارِك،
دماملٌ في هذا المُبلَلِ بالتَّعبِ،
الذي بكى،
وقتٌ معطوبٌ،
ينتزِعُ نشوةً حتى من الألم.
-9-
لا أعرفُ عنوانًا سوى شَوائبَ جئتُ بها من أَزلِي،
لستُ شيئاً سواها،
والأَبدُ;
فزَّاعةٌ في حقلِ الضَّباب.
-10-
لنفترضْ جدلًا أنني أريدُ أن أسلخَ جلدَ الحُبِّ
وأصنعَ منه تمائِمَ للغِياب،
ولنفترضْ أيضاً أنني سأُعلِّق مزاجِيَ الطَّائشَ
على حِكمةِ الأجدادِ،
وأنني سأقفُ وجهاً لوجهٍ مع الحبِّ
وأطردُه مثل المصابينَ بالجُذَامِ،
وأحيلُ هذا التَشَوُّه إلى نصٍ مقدسٍ
أشوي عليه الرغبةَ،
فكيف أجد سؤالاً،
أو شيئاً يقولُ ما بعد هذا المشيِ على حافةِ الخِنجَر..
للسؤالِ طبائعُ الغيبِ الذي يُرى،
هل يُرى العمقُ من حافة اللاشيءِ -الميتافيزيقي غالباً-
دون تجربةِ آتيةٍ في العبث.
التشَوُّهُ معنىً حرفيٌّ لليقينِ،
أو أنه الهيكلُ العظميُّ
للارتياب.
-11-
النصوصُ التي تشبهُ هواءً يدخلُ غرفةً مغلقةً منذ سنواتٍ،
التي تشهقُ مثل مومياءَ تحت أولِ شمسٍ،
التي تَعود إليها وجيبكَ يمتلئُ بالحجارةِ،
التي تمدُّ لسانَها إلى العالَمِ،
التي تقدمُ السؤالَ إجابةً وحيدةً للجملِ الاخباريةِ،
التي تبحِرُ في مياهٍ صدئةٍ وبلا مِرساةٍ،
التي تُشبهُ عصفوراً وحيداً تريدُ أن تقتلَهُ بفكرةٍ،
التي لا تأكيدَ على صلاحيتِها العقليةِ،
هي الأكثرُ صلاحية للنشر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق