كتبت سنا هايل الصباغ ـ دمشق:
المراوحة في استعادة أجواء الفنون الغربية ( التشكيل السوري الحديث أنموذجاُ ) .. عنوان محاضرة للناقد أديب مخزوم في ثقافي الميدان .. معرض ( أجيال وتيارات ) أقيم في المركز الثقافي العربي في الميدان ، خلال شهر تشرين الأول 2019 ، ولقد تضمن مجموعة لوحات ومنحوتات لخمسين مشارك ومشاركة ، من جيل المخضرمين ، وصولاً لجيل الشباب ، ولقد قام بتنظيم المعرض الفنان محمد يونس ، وهذا ثالث معرض جماعي يقام تحت اشرافه.. ولقد ألقيت بمناسبة أفتتاحه محاضرة للناقد والفنان أديب مخزوم تحت عنوان ( إشكاليات الفن السوري والعربي ) .. ومما قاله المحاضر: الأدب العربي لم يكن بحاجة الا لكاتب واحد هو نجيب محفوظ، لينطلق في رحاب الشهرة العالمية الواسعة، والعرب لم يكونوا بحاجة، الا لنجم سينمائي واحد، هو عمر الشريف ليصلوا إلى أقصى درجات العالمية، وحدث هذا في الكيمياء مع أحمد زويل وغيرهم .. وفي ضوء ذلك عالمنا العربي، لايحتاج الا لفنان واحد، قادر على تغيير وجه الفن التشكيلي العربي المعاصر، ونقله من اطار المراوحة في استعادة تقنيات فنون الغرب، الى حالة مغايرة، تجعل الغرب يدور في فلكه، كما كان منذ قرون مع الواسطي(رسام المنمنمات الشهير) ..
وأضاف المحاضر قائلاً: إن أول ما يمكن استشفافه من تحليل الاتجاهات التشكيلية العربية الحديثة ، هي العلاقة المتبادلة و المتداخلة والمتشابكة والملتبسة بين معطيات التشكيل الأوروبي الحديث وإيقاعات العناصر البصرية المستمدة من التكاوين الفنية العربية والشرقية. فقد تركت معطيات الفنون الأوروبية الحديثة أثرها الواضح على اتجاهات الفنون العربية الحديثة ، لدرجة أن العديد من الفنانين العرب المحدثين جنحو في تجاربهم نحو العبث التشكيلي الأوروبي الحديث والفنون البنيوية الاكثر حداثة بحجة التجديد والانطلاق وتجاوز الأنماط المتعارفة والقوالب المستهلكة والجامدة . وقد تنوعت مفردات التعبير في التجارب التشكيلية العربية المعاصرة ، فتولدت رؤى تعبيرية وانطباعية ورمزية وواقعية جديدة وتجريدية وسوريالية وميتافيزيقة وصولا الى الأوب آرت أو فن خداع البصر والتشكيل التركيبي الفراغي وأعمال التجهيز والفيديو والكمبيوتر والآلات المضيئة واشعاعات الخطوط والالوان الضوئية وانعطافاتها الفجائية السابحة حول المشاهد في الابعاد الثلاثة .. وهنا لابد من الإشارة الى أن الفنون الشرقية القديمة والفنون الزخروفية والكتابة العربية، التي تركت أثرها الواضح على الفنون الأوربية في مطلع القرن الماضي، بقيت تحمل في تجارب الفنانين العرب، الذين تعاملوا مع التراث الزخرفي والحروفي اجواء التقنيات الغربية، دون أن تمتلك القدرة على تقديم ثقافة جديدة بعيدة عن الجماليات الحديثة التي طرحتها ثقافة فنون الغرب ولهذا ظل الفن العربي مرتبطاً بثقافة ليست من تراثه، بعد أن وصل الى التركيبية والعبثية والدادائية وما الى ذلك من اتجاهات وتيارات اوروبية وامريكية. وهذا يعني أن التنظير الذي رافق ولادة اللوحة السورية والعربية المتعاملة مع التراث، كان يستمد مفاهيمه من تعاليم بيكاسو وماتيس وبول كلي وجورج براك وكاندنيسكي000، وقبل هؤلاء كلود مونيه ورينوار ومانيه وسيسلي وغيرهم، لأنه ليس في قاموس الفن العربي قبل مجئ هؤلاء مصطلحات اسمها انطباعية أو تكعيبية أو تجريدية غنائية أو تعبيرية انفعالية، وماتفرع عن هذه المدارس من مفاهيم لايزال يروج لها الفنان المحلي والعربي، فالتجريد العربي الزخرفي يختلف في معطياته الجمالية والفلسفية عن معطيات التجريد العربي الحالي المتأثر بالتجريد الغربي، وبعبارة أخرى كل الفنانين العرب الذين تعاملوا مع الفن الزخرفي على سبيل المثال، نظروا اليه من منظار ماتيس أو بول كلي أو غيرهما، فالمشكلة إذا ليست في تقليد هؤلاء فحسب، وإنما في التنظير الذي رافق الطروحات الفنية العربية، التي لاتزال تدور في دائرة مفرغة من المراوحة الإبتكارية والرتابة والسطحية والتقليد لمظاهر الفنون الوافدة. هذا بالإضافة إلى انجراف الأجيال الفنية الجديدة وراء التقليد والتفاعل العفوي مع كل ماهو سطحي وسهل ومستهلك في فنون الغرب، وهذا مايفعله الآن، ، العديد من المتطفلين على الفن التشكيلي، تحت ستار الحداثة ومابعدها.
إن المطلع على تاريخ تطور الفن العربي في مجال الرسم والتصوير، وبخاصة في قممه التي مثلها يحيى الواسطي، لايمكن إلا أن يخلص لنتيجة محتواها إن الفن العربي حالياً، لم يكن بمثل ذلك العلو أو السمو الذي وصل إليه منذ قرون مع منمنمات الواسطي الذي مثل النهضة العربية الأولى في الفن التصويري. بعد ذلك وقع الفن العربي في أسر التقليد والعادية، أثناء وبعد الإحتلال العثماني، ولم يكن بمقدور الفنان العربي أن ينتج فناً حديثاً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أي في وقت متزامن مع ولادة الإتجاهات التشكيلية الأوربية الحديثة، لأن من يعيش ذلك التخلف الذي عاشته أمتنا العربية في تلك الفترة لايمكن أن ينتج فناً حديثاً بشكل أو بآخر بشهادة علم الإجتماع . ومن هذا المنطلق سعت معظم التجارب التشكيلية العربية المعاصرة لترويج الفن كفعل ثقافي يطمح إلى استعادة معطيات الفنون الحديثة التي أفرزتها الحركة التشكيلية الأوربية و الأمريكية في فترات متعاقبة من القرن العشرين ، فالفنان العربي الحديث ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام التجارب الفنية الغربية كافة ، وهذا ما أدى في أحيان كثيرة إلى ظهور تجارب تشكيلية عبثية تعطي انطباعاً مباشراً بأن الفن العربي الحديث لا يزال يتخبط في أزمة الفنون الحديثة التي تعرفها عواصم الفن الكبرى . حتى باتت الأزمة الفنية في تيارات التشكيل السوري و العربي الحديث ، هي أزمة لها علاقة مباشرة بحدة المراوحة في اجترار مفردات تشكيلية رسختها حرية التعبير المنفتحة على اتجاهات وتيارات الفن التشكيلي العالمي المعاصر .
وأضاف المحاضر قائلاً: إن أول ما يمكن استشفافه من تحليل الاتجاهات التشكيلية العربية الحديثة ، هي العلاقة المتبادلة و المتداخلة والمتشابكة والملتبسة بين معطيات التشكيل الأوروبي الحديث وإيقاعات العناصر البصرية المستمدة من التكاوين الفنية العربية والشرقية. فقد تركت معطيات الفنون الأوروبية الحديثة أثرها الواضح على اتجاهات الفنون العربية الحديثة ، لدرجة أن العديد من الفنانين العرب المحدثين جنحو في تجاربهم نحو العبث التشكيلي الأوروبي الحديث والفنون البنيوية الاكثر حداثة بحجة التجديد والانطلاق وتجاوز الأنماط المتعارفة والقوالب المستهلكة والجامدة . وقد تنوعت مفردات التعبير في التجارب التشكيلية العربية المعاصرة ، فتولدت رؤى تعبيرية وانطباعية ورمزية وواقعية جديدة وتجريدية وسوريالية وميتافيزيقة وصولا الى الأوب آرت أو فن خداع البصر والتشكيل التركيبي الفراغي وأعمال التجهيز والفيديو والكمبيوتر والآلات المضيئة واشعاعات الخطوط والالوان الضوئية وانعطافاتها الفجائية السابحة حول المشاهد في الابعاد الثلاثة .. وهنا لابد من الإشارة الى أن الفنون الشرقية القديمة والفنون الزخروفية والكتابة العربية، التي تركت أثرها الواضح على الفنون الأوربية في مطلع القرن الماضي، بقيت تحمل في تجارب الفنانين العرب، الذين تعاملوا مع التراث الزخرفي والحروفي اجواء التقنيات الغربية، دون أن تمتلك القدرة على تقديم ثقافة جديدة بعيدة عن الجماليات الحديثة التي طرحتها ثقافة فنون الغرب ولهذا ظل الفن العربي مرتبطاً بثقافة ليست من تراثه، بعد أن وصل الى التركيبية والعبثية والدادائية وما الى ذلك من اتجاهات وتيارات اوروبية وامريكية. وهذا يعني أن التنظير الذي رافق ولادة اللوحة السورية والعربية المتعاملة مع التراث، كان يستمد مفاهيمه من تعاليم بيكاسو وماتيس وبول كلي وجورج براك وكاندنيسكي000، وقبل هؤلاء كلود مونيه ورينوار ومانيه وسيسلي وغيرهم، لأنه ليس في قاموس الفن العربي قبل مجئ هؤلاء مصطلحات اسمها انطباعية أو تكعيبية أو تجريدية غنائية أو تعبيرية انفعالية، وماتفرع عن هذه المدارس من مفاهيم لايزال يروج لها الفنان المحلي والعربي، فالتجريد العربي الزخرفي يختلف في معطياته الجمالية والفلسفية عن معطيات التجريد العربي الحالي المتأثر بالتجريد الغربي، وبعبارة أخرى كل الفنانين العرب الذين تعاملوا مع الفن الزخرفي على سبيل المثال، نظروا اليه من منظار ماتيس أو بول كلي أو غيرهما، فالمشكلة إذا ليست في تقليد هؤلاء فحسب، وإنما في التنظير الذي رافق الطروحات الفنية العربية، التي لاتزال تدور في دائرة مفرغة من المراوحة الإبتكارية والرتابة والسطحية والتقليد لمظاهر الفنون الوافدة. هذا بالإضافة إلى انجراف الأجيال الفنية الجديدة وراء التقليد والتفاعل العفوي مع كل ماهو سطحي وسهل ومستهلك في فنون الغرب، وهذا مايفعله الآن، ، العديد من المتطفلين على الفن التشكيلي، تحت ستار الحداثة ومابعدها.
إن المطلع على تاريخ تطور الفن العربي في مجال الرسم والتصوير، وبخاصة في قممه التي مثلها يحيى الواسطي، لايمكن إلا أن يخلص لنتيجة محتواها إن الفن العربي حالياً، لم يكن بمثل ذلك العلو أو السمو الذي وصل إليه منذ قرون مع منمنمات الواسطي الذي مثل النهضة العربية الأولى في الفن التصويري. بعد ذلك وقع الفن العربي في أسر التقليد والعادية، أثناء وبعد الإحتلال العثماني، ولم يكن بمقدور الفنان العربي أن ينتج فناً حديثاً في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أي في وقت متزامن مع ولادة الإتجاهات التشكيلية الأوربية الحديثة، لأن من يعيش ذلك التخلف الذي عاشته أمتنا العربية في تلك الفترة لايمكن أن ينتج فناً حديثاً بشكل أو بآخر بشهادة علم الإجتماع . ومن هذا المنطلق سعت معظم التجارب التشكيلية العربية المعاصرة لترويج الفن كفعل ثقافي يطمح إلى استعادة معطيات الفنون الحديثة التي أفرزتها الحركة التشكيلية الأوربية و الأمريكية في فترات متعاقبة من القرن العشرين ، فالفنان العربي الحديث ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام التجارب الفنية الغربية كافة ، وهذا ما أدى في أحيان كثيرة إلى ظهور تجارب تشكيلية عبثية تعطي انطباعاً مباشراً بأن الفن العربي الحديث لا يزال يتخبط في أزمة الفنون الحديثة التي تعرفها عواصم الفن الكبرى . حتى باتت الأزمة الفنية في تيارات التشكيل السوري و العربي الحديث ، هي أزمة لها علاقة مباشرة بحدة المراوحة في اجترار مفردات تشكيلية رسختها حرية التعبير المنفتحة على اتجاهات وتيارات الفن التشكيلي العالمي المعاصر .
هكذا سعت معظم التجارب التشكيلية العربية الحديثة ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي لإظهار الدمج الحيوي بين معطيات الفنون الشرقية القديمة ومعطيات الفنون الغربية الحديثة ، حتى ان التجارب التشكيلية العربية الحديثة التي جنح اصحابها نحو مظاهر التجميع في دمج الشكل الشرقي ( الزخرفي أو الحروفي أو الواقعي ) بمزيد من اللمسات اللونية المتحررة التي أطلقتها صالونات العواصم الأوربية في القرن العشرين ، بحجة إعطاء البنى التراثية المزيد من الإضاءات الحديثة . بطرق انفعالية و افتعالية في احيان كثيرة أتت أيضا كحصيلة للتحولات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية . وأصبحت هذه الاتجاهات غريبة عن خصوصيات التراث العربي ، لأنها في الغالب تمزج في تكوين اللوحة بين الغنائية اللونية (استخدام الألوان بطريقة عفوية ومتحررة ) وإبراز التكوين الفني الشرقي ، في محاولة لتقديم الإشارات التراثية ليس من خلال القواعد الاتباعية العربية المتوارثة منذ قرون، وانما من خلال الانفتاح الكامل على توجهات الثقافة الغربية الحديثة . وأضاف المحاضر: مما زاد من حدة التداخل والإلتباس والتشابك بين تيارات الحداثة الغربية والشرقية بروز حرية التعبيرالمطلقة في العواصم والمدن العربية التي أثرت فعلياً في بريق الانفتاح على المغامرة والتجريب والعبث والتشكيل البدائي و الطفولي وصولا الى حالات مزج الفن بمعطيات العلم والتطور التكنولوجي وموسيقا الضوء الغازي . وعلى هذا الأساس يمكن القول أن التجارب الفنية العربية الحديثة ليست اليوم إلا صدى لمعطيات الفنون العالمية المعاصرة ، وهي في النهاية صدى للتساؤلات التي تجسد توترات حياتنا الراهنة في مجتمعات مفتوحة على توترات وكوارث الحروب وكوابيسها التي لاتنتهي ، فالفن العربي المعاصر اليوم بات في بعض جوانبه اشبه بمغامرة تثير التساؤل وعلامات الاستفهام حول مفهوم التشكيل الحديث ومسالك الإبتكار وعلاقة التراث بالحداثة والمعاصرة ، لأن استلهام التراث لايعني المراوحة في استعادة الصيغ الغربية الجاهزة وتطعيمها بالاشارات او الحروف والزخارف العربية و إنما الإندماج بنبض وجذور التراث المحلي والسعي إلى إعادة اكتشاف الصلات الجوهرية التي تربط بين الحاضر والماضي ، وتدعيم قدرة العطاء وإغناء الذات وتأصيل عناصر ظهور نهضة تشكيلية عربية جديدة مغايرة لطروحات اللوحة الغربية المعاصرة . فالمشكلة في جوهرها هي مشكلة ثقافية ناتجة عن سياسة العولمة التي حولت العالم الى قرية صغيرة، مشكلة تقوقع واجترار وانبهار بحضارة الآخر، بدلا من البحث عن نهضة تشكيلية مغايرة يمكن ان تعطي اللوحة والمنحوتة والتشكيلات الفراغية المختلفة منعطفاً اختبارياً جديداً ، من خلال التأكيد على اللون الشرقي و التراث العربي والجذورالحضارية ، كمنطق لتأكيد الخصوصية والإنفلات بالتالي من هيمنة الثقافة الفنية الغربية على توجهات الفن العربي المعاصر. وتابع المحاضر حديثه قائلاً : إنني لست ضد الحداثة التشكيلية الأوروبية، فالفن لا يعترف بالحدود، وهو ضد الاستيطان، ومن حقه أن يكون متوجهاً لكل إنسان، في أي زمان ومكان، وإنما أشعر بأن تطوير الفن العربي والكشف عن طابع الشخصية الثقافية والحضارية العربية،بحاجة إلى مزيد من التعمق والاجتهادات الهادفة إلى عصرنة التراث، إن ما يهمنا بمعطيات التراث والحداثة هو خصوصية هذه المعطيات وندرتها وسحرها . إن الخلل الكبير الذي أصاب العديد من التيارات التشكيلية الحديثة المحلية والعربية ، يكمن في ارتباطها المباشر بالأجواء المستهلكة والمألوفة والمطروحة في الفنون العالمية منذ عقود، فالفن الشاب الذي يقدم اليوم في معارضنا يدخل في إطار المغامرة والتجريب، وبالتالي فهو يثير التساؤل ويضع علامات استفهام كبرى . قد تكون بعض الأعمال الشابة وصلت بتعبيريتها التجريدية إلى ضفاف المدى التشكيلي العبثي، الذي يرضي توجهات بعض المتذوقين النادرين، إلا أن تلك اللوحات تقطف في أحيان كثيرة اجواء التخريب والتشطيب والتنفير والتجميع بإدخال عناصر من المواد الهامشية على إشارات التعبير الدادائي. وبذلك فهي لا تقدم أي جديد على صعيد البحث التشكيلي والتقني، ولهذا يمكن القول أن معظم تلك التجارب لا تزال بحاجة إلى المزيد من التعمق والاجتهاد والبحث حتى يقال عنها أنها واعدة فنياً. هكذا نجد أن التعبير باللمسة اللونية المتحررة أو العفوية في التجارب التشكيلية العربية الحديثة، هو في جوهره محاولة لاستعادة الطريقة ذاتها التي وضع أسسها الفنان الأوروبي الحديث. لأن اللمسة اللونية التلقائية والعبثية، التي يحاول الفنان السوري من خلالها التعبير عن انفعالاته وهواجسه وعناصره الجمالية، هي لمسة أوروبية خالصة، وذلك لأن التجارب التشكيلية التي أطلقتها صالونات العواصم الكبرى في القرن الماضي، أدت من الناحية الجمالية إلى الانفلات من الصرامة الاتباعية للزخرفة الهندسية والانقلاب عليها، في خطوات التعبير عن الذات والمشاعر الداخلية، من خلال الإيقاعات اللونية المتحررة والعفوية والتلقائية. والواقع أن الفنون العربية (بالأخص الفنون الزخرفية) كانت قد أثرت باللوحة الأوروبية الحديثة في مطلع القرن العشرين، لكن الفنان العربي ما لبث أن تأثر بالفنون الغربية الحديثة حين استعاد في لوحاته مجد الصياغة التلوينية العفوية التي عالجت البنى الزخرفية العربية برؤية معاصرة. لذا يمكن القول أن الفنان الأوروبي الحديث – وهذه حقيقة لا نستطيع إنكارها- كان سباقاً في إدراكه المبكر لمعنى الحداثة الكامنة في إعادة صياغة الزخارف العربية والرموز الشرقية القديمة، عندما اعتمد تلقائية وعفوية اللمسة اللونية التي أيقظت تلك الزخارف والرموز، وبذلك أصبح من المتعذر في أحيان كثيرة توضيح صورة الاختلاف بين اللوحة العربية الحديثة وبين اللوحة الأوروبية، وعلى سبيل المثال دخلت الزخرفة العربية في أعمال بعض كبار فناني الحداثة العالمية، ومن ضمنهم «هنري ماتيس» الذي أعاد صياغة الزخارف العربية عندما اعتمد عفوية وتلقائية اللمسة اللونية، التي أيقظت تلك الزخارف والرموز وخلصتها من رزانتها الهندسية التقليدية والباردة. واستلهام الألوان المشرقة في اللوحة المحلية، لا يعني المراوحة في استعادة الصيغ الغربية الجاهزة، وإنما الاندماج بنبض النور المحلي والسعي إلى إعادة اكتشاف عناصر تشكيلية جديدة وخاصة بكل فنان على حدة، تساهم في تدعيم قدرة العطاء، وإغناء الذات، وتأصيل عناصر ظهور نهضة تشكيلية عربية جديدة، مغايرة لطروحات اللوحة الأوروبية المعاصرة. وهذا يعني أن معارض الشباب التي تقام عندنا، تكشف في أكثر الأحيان عن حدة التداخل والالتباس بين تيارات الحداثة الغربية والشرقية، وهي تستعيد قبل أي شيء آخر أجواء الطروحات الأولى لأحلام اللوحة الغربية الحديثة، التي سادت فنون العواصم الأوروبية والأميركية، كما تستعيد أجواء معظم المعارض التي شاهدتها المدن والعواصم العربية منذ عقود، كما يمكننا أن نشاهد نماذج منها في أي معرض جماعي أو فردي يقام في أية مدينة سورية، لدرجة يمكننا معها القول أنها تجمدت قبل انطلاقتها ودخلت مرحلة المراوحة مع استخدامها المفتعل لمعطيات تشكيلية اختبارية أو تجريبية تسيرها الصدفة والحركات اللونية الانفعالية، دون حضور لأي تحديث أو إبداع في حركية الدلالات والإشارات اللونية والخطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق