البذرةُ صارَت شجرة
بقلم: أسماء طنوس ـ المكر
*منبر أدباء بلاد الشام.
جلسَ
راني معَ والدهِ ودارَ الحديثُ بينهما . قال راني: يا أبي عندي أسئلةٌ كثيرةٌ في
فِكري تـُحَيـِّرُني وأريدُ تفسيرا ً لها . هل عندكَ أجوبةٌ لها ؟ الأبُ: وما هي
أسئلتـُكَ يا آبني ؟
راني
: هذه الشـّجَرَةُ يا أبي! شَجَرَةُ الـْمِشمش ِ الـّتي في الـْحديقـَةِ , كانت
قبلَ أربع ِ سنواتٍ صغيرة ً جِدّا ً . والـْيومَ أراها كبيرَة ً . فكانت كـُلـّما
كـَبُرْتُ سَنـَة ً أراها كـَبُرَتْ معي . فكيفَ يكونُ هذا !؟ الأبُ : لأنّ
الشـّجرة َ يا ابني هيَ كائِنٌ حَيٌّ. وكـُلُّ الكائِناتِ الحَيَّةِ تنمو وتكبُرُ
مِثلَ الإنسان ِِ .ولهذا فهيَ تحتاجُ للـْغذاءِ والـْماءِ , والشـَّمس ِ
والـْهَواءِ حتـّى تنمو . وإذا مُنِعَتْ مِنها تـَجِفُّ وتـَموتُ .
راني
: إذا ً النـّّباتُ يَحيا مِثـْلَ الإنسان ِ ويكبُرُ !؟
الأب
: طبعا ً يا ابني . وهذِه الشـّجَرَة ُ كانت بـِذرَة ً في الأصل ِ , زَرَعْتـُها
في الأرض ِفـَمَدَّتْ جُذورَها في التـُّرابِ , ثـُمَّ شـَقـَّت سَطـْحَ الأرض ِ
وخـَرجَ منها ساقٌ . بدأ ينمو ويطولُ سَنـَة ً بعدَ سنةٍ حتـّى أصبحَ جِذعا ً
يحملُ الفـُروعَ والأغـْصانَ , وبعدَها ظهَرَتِ الأوراقُ . ثـُمَّ أزْهَرَت
وأثمَرَتْ. تماما ً مِثلَ الإنسان, وهُوَ في بطن ِ أمِّهِ كانَ جنينا ً , ثـُمَّ
بدأ ينمو ويكبرُ حتـّى خرجَ من بطن ِ أمّهِ واستمَرَّ في نـُمُوِّهِ حتى أصبح
كبيراً .
راني
: ولماذا لا أرى الحجَرَ الذي في الـْحديقةِ يكبُرُ ؟ مع أنـَّّكَ تسقي الحديقة َ
وتـُسَمِّدُها ؟
الأبُ
: الـْحجرُ يا ابني هُوَ جَمادٌ , لا يأكلُ ولا يشرَبُ ولا يتنفـَّسُ مِثلَ
النـّباتِ . فـَلا حياة ً فيهِ . لهذا لا يكبُرُ .
راني
: ولماذا لـَوْنُ وَرَق ِ النـَّباتِ وَالشـَّجرِ أخْضَرُ وليسَ أحِمَرُ أو أزرقُ
أوْ أيُّ لون ٍ آخَرَ ؟
الأبُ
: لأنّ اللـّوْنَ الأخضرَ تكتسِبـُهُ الأوراقُ مِن أشِعَّةِ الشَّمس ِ ويُسَمَّى
كلوروفيل , وهي مادّة ٌ خضراءُ موجودة ٌ في الأوراق ِ , وتتكـَوّنُ عِندَ طـَبْخ ِ
الأوراقِ لِلـْغذاءِ على حرارَةِ الشـَّمس ِِ , وبِدونها تـَصْفـَرُّ الأوراقُ
وتـَيْبَسُ . تماما ًمِثلَ الدّمِ الموجودِ في عُروقِنا الـّذي يُلـَوِّنُ
خـُدودَنا باللـَّون ِِ الأحمرِ . وبدونهِ لا يعيشُ الإنسانُ .
راني
: أفـْهَمُ من هذا أنَّ الشـَّمسَ ضرورية ٌ للنـّباتِ ؟
الأبُ
: طبعا ً يا ابني . وللتـَّأكـُّدِ من ذلِكَ , سَأزرعُ لكَ بَصَلتـََيْن ِ في
زُجاجَتـَيْن ِ , وأضعُ واحدة ً على شُبّاكِ الـْغُرفـَةِ لتـَرى نورَ الشـّمس ِ .
وأضَعُ الثـّانية َ في الـْخِزانـَةِ واقـْفِلُ عليها , حَتـّى لا ترى النـّورَ .
وسَنـََرى بَعْدَ أسْبوعَيْن ِ ماذا سَيَحصَلُ لهُما ؟ بَدَأ راني يُراقِبُ
الْبَصَلة َ التي وُضِعَتْ على الشـُّباكِ , فَرَآها تنمو يوما ً بعدَ يوم ٍ
ويَطولُ ساقـُها وأوراقـُها , وهي تـَزْهو بلونِها الأخضَر ِ.
وبَعْدَ
أسبوعَيْن ِ, فتحَ راني الـْخِزانة َ لِيَرى الـْبَصَلـَة َ الثـّانية َ
فـَتـَفاجَأ عندَما رَآها صَفراءَ مُنحَنِيَة ً. فقالَ : ألآنَ تـَأكـَّدْتُ يا
أبي أن الشـّمسَ ضرورية ٌ للنـّباتِ وهي الـّتي تـُكسِبُهُ اللـَّوْنَ الأخـْضَرَ,
أثناءَ عمليةِ طـَبْخ ِ الأوراق ِ للغذاء . ولكِن عندي سؤال ٌ آخـَرٌ: الإنسانُ
عندَما يتعَبُ يَنامُ لِيَستـَريحَ على سَرير ٍ أو على الأرض ِ . ولماذا لا أرى
الشـَّجرة َ تنامُ طولَ أيام ِ عُمرِها !؟
الأبُ
: ألشَّجرَة ُ يا ابني تـَنامُ واقِفـَة ً . لأنـّها ثابـِتـَة ٌ في الأرض ِ بواسطةِ
الجذور ِ . ولا تستطيعُ أنْ تـَحْني جِذعَها . فهي قـَوِيَّة ٌ جِدّا ً . حتـّى
الرِّياح لا تـَسْتـَطـيعُ قـَلـْْعَها .
راني
: إذا ً لهذا السَّببِ وُجِدَتِ الـْجُذورُ ؟
الأبُ
: هذا صَحيحٌ . وَوَظيفـَتـُها أيضا ً امْتِصاصُ
الـْغِذاءِ والـْماءِ منَ التـُّّرابِ .
راني
: والسُّؤالُ الآخـَرُ هُوَ : لماذا أرى أشجارا ًخـَضراءَ طِوالَ السَّنةِ وأخرى
تـَصْفـَرُّ في الخـَريفِ لِتـُصْبـِحَ عارية ً ؟
الأبُ
: هذا حَسَبَ نـَوْع ِ الأشجارِ . فـَإذا كانت جُذورُ الأشجارِ عميقـَة ً
ومُتـَشـَعِّبَة ً في الأرض ِ , فهـِيَ تـَستـَطيعُ آلـْوُصولَ إلى آلمِياهِ
الـْباطِنِيَّةِ والـْيَنابيع ِ , فـَلا يُصيبُها الـْعَطـَشُ . والسَّبَبُ
الثـّاني نـَوْعيَّة ُ الأوراق ِ . فالأوراقُ الـَّتي يكونُ سَطحُها
الـْعُلـْوِيُّ أمْلـَسا ً ولامِعا ً , تـُحافِظ ُ على لـَوْنِها الأخضرِ , لأنـَّها
تحفـَظ ُ نفسها منَ الرِّياح ِ ومن الجفافِ , ومن أشِعَّةِ الشـّمس ِ الـْحارِقةِ
, فتبقـَى طريَّة ًنـَضِرَة ً مِثلَ أشجارِ الزّيتون ِ والـْحِمضيّاتِ وآلصَّبْرِ
وآلصَّنـَوْبَرِ . وَلِهذا سُمِّيَتْ بالأشجارِ الدّائِمَةِ الخـُضرَةِ . لأنَّ
أوراقـَها تبقى خضراءَ طِوالَ السَّنـَةِ . تماما ً كـَالإنسان ِ الـّذي يدهَنُ
جِلـْدَهُ بـِكـْريماتٍ واقِيةٍ فـَيَحفظـُهُ منَ الـْجفافِ والـْحُروق ِ وَيبقـَى
جلدُهُ ناعما ً أملسا ً طـَرِيّا ً . وَهُناكَ نوعٌ آخـَرُ مِن وَرَق ِ الأشجارِ
الـّتي يكون سَطـْحُها الـْعُلوِيُّ خـَشِنا ً , مِمّا يسمحُ لأشِعَّةِ الشـَّمس ِ
بآختراقِها وتجفيفِ السَّوائِل ِ
الموجودَةِ فيها , وبِهذا تـَذبُلُ وتـَصْفـَرُّ , ثـُمَّ تـَجِفُّ منَ العطش ِ .
والسَّببُ الثـّاني لأنَّ جُذورَها قصيرة ٌ وغيرُ مُتـَشَعِّبَةٍ في الأرض ِ .
ولهذا تـَعْطـَشُ وَتـَجِفُّ , فتسقـُطـُ أوْراقـُها في فصل الـْخـَريفِ
وتـُصبـِحُ الشـّجَرَةُ عارِيَة ً . مِثلَ التـّين ِ والرُّمان ِ , ألـْمِشمِشَ
والـْخَوْخ ِ والـْعِنـَبِ والتـُّفاح ِ . ونـُسَمّيها بالأشجارِ الـْعارِيَةِ .
راني
: يا لـَهُ مِن شَرْح ٍ مُفيدٍ . ألآنَ آرْتاحَ فِكري بَعْدَ أن حَصَلـْتُ على
جميع ِ الأجْوِبَةِ . والشُّكـْرَ لكَ يا أبي. لأنـَّك زَوَّدْتـَني بمعلوماتٍ
جديدَةٍ لم أكـُنْ أعرفـُها مِن قـَبْل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق